الحمد
لله جعل مكة أم القرى، والبيت مثابة للناس وأمنا، والصلاة والسلام على
أعظم الخلق تقديراً لحرمة بيت الله، وأصدقهم حباً لمكة، نبينا محمد القائل:
( لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة – يعني الكعبة – حق
تعظيمها؛ فإذا تركوها وضيعوها هلكوا ) [أخرجه أحمد، وابن ماجة، وقال الحافظ
ابن حجر في الفتح:سنده حسن] صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد
:
فحب
المسلم لمكة، وتعلق فؤاده بالبيت الحرام من دلائل صدق إيمانه، واتصافه
بتقوى القلب؛ لأنها من شعائر الله، قال الله تعالى في سورة الحج:{ ذلك ومن
يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب(32)}؛ لذلك كتب الموضوع لزوار الموقع
رجاء أن يحقق هذا المطلب السامي، وأن يكون حب بيت الله الحرام وتعظيمه من
أسباب اجتماع كلمة المسلمين ووحدة صفهم.

قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف
صلاة فيما سواه ) رواه ابن ماجة وصححه الألباني-صورة الكعبة
وما ستجده أخي القارئ الكريم هنا:
هو خلاصة
شرح الإمام الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني (المولود سنة 773ه، والمتوفى
رحمه الله سنة 852ه) لأحاديث صحيح البخاري في كتاب الحج. من كتابه القيم "
فتح الباري بشرح صحيح البخاري".
وقد اخترت من شرحه وتبويبه – رحمه الله – ما يخدم هدف بيان فضل مكة والبيت الحرام، ورجعت لبعض الشرح للحافظ نفسه في غير كتاب الحج في بعض المواضع، وأثبت مكانها من الفتح.
فكان دوري في الموضوع : التلخيص، والاختيار، والترتيب ، والتنسيق.
وقد وضعت محتويات الموضوع على النحو التالي:
v باب فضل مكة :
v آدم عليه السلام يبني الكعبة :
v إبراهيم عليه السلام يرفع بناء الكعبة :
v قصة بناء قريش للكعبة :
v روايات بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما للكعبة سنة 64 هـ :
v الحجاج يغير بناء الكعبة ويعيدها كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
v فوائد من حديث بناء الكعبة :
v بَاب فَضْلِ الْحَرَمِ (المكي):
v بَاب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا :
v قصة إسكان إبراهيم لهاجر وابنها مكة :
v بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ
v بَاب كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ :
v تزيين الكعبة وتحليتها فيه وجهان :
v أول من كسا الكعبة :
v بَاب هَدْمِ الْكَعْبَةِ :
v بَاب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ:
v بَاب إِغْلَاقِ الْبَيْتِ وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ:
v بَاب مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ:
v بَاب اسْتِلَامِ الْحَجَرِ :
v بَاب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ :
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
باب فضل مكة :
قال تعالى في سورة البقرة : {وَإِذْ
جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ
هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ
مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ
فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ
الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا
وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}.
0 {البيت}: اسم غالب للكعبة .
0 {مثابة }: أي مرجعا للحجاج والعمار، يتفرقون عنه ثم يعودون إليه . وعن مجاهد قال : يحجون ثم يعودون .
0 {وأمنا }: أي موضع أمن ، وهو كقوله :{ أولم يروا أنا جعلنا حرمنا آمنا }، والمراد: ترك القتال فيه .
0 { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }، أي:
وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة . والأمر فيه للاستحباب بالاتفاق . ومقام
إبراهيم: الحجر الذي فيه أثر قدميه على الأصح . وعند عطاء: مقام إبراهيم
عرفة وغيرها من المناسك؛ لأنه قام فيها ودعا . وعند النخعي: الحرم كله .
0 {الركع السجود}: استدل به على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت ، وخالف مالك في الفرض .
0 {اجعل هذا بلدا آمنا} :روى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا )،
وهو لا يعارض بما أخرجه البخاري : ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؛ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ
لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي قَطُّ إِلَّا سَاعَةً مِنْ
الدَّهْرِ؛ لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلَا
يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ)؛
فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلَّا الْإِذْخِرَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ.
فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: ( إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلَالٌ)؛ فلا
معارضة؛ لأن المعنى: أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو
أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة، أو المعنى: أن
إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس، وكانت قبل ذلك عند الله حراما، أو
أول من أظهره بعد الطوفان.[ فتح الباري: 4/34].
0{من آمن} : أي وارزق المؤمنين من أهله خاصة.
0{ ومن كفر } عطف على من آمن ، قيل : قاس إبراهيم الرزق على الإمامة فعرف الفرق بينهما ، وأن الرزق قد يكون استدراجا وإلزاما للحجة.
.{القواعد من البيت}:ظاهره أنه كان مؤسسا قبل إبراهيم، ويحتمل أن يكون المراد بالرفع: نقلها من مكانها إلى مكان البيت.[ فتح الباري: 3/440].
0 {ربنا تقبل منا} : أي يقولان ربنا تقبل منا .
0 {وأرنا مناسكنا}
: قال عبد بن حميد : حدثنا يزيد عن هارون حدثنا سليمان التميمي عن أبي
مجلز قال : لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل؛ فأراه الطواف بالبيت
سبعا، قال وأحسبه : وبين الصفا والمروة ، ثم أتى به عرفة فقال : أعرفت ؟
قال : نعم . قال : فمن ثم سميت عرفات . ثم أتى به جمعا فقال : ههنا يجمع
الناس الصلاة . ثم أتى به منى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات فقال
: ارمه بها وكبر مع كل حصاة .
0 {وتب علينا}
: قيل طلبا الثبات على الإيمان لأنهما معصومان، وقيل أراد أن يعرف الناس
أن ذلك الموقف مكان التوبة، وقيل : المعني وتب على من اتبعنا .[ فتح
الباري: 3/440].
v آدم عليه السلام يبني الكعبة :
أول من بنى الكعبة يتضح من خلال حديث
أبي ذر رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ
اللَّهِ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ:(
الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ). قَالَ قلت: ثُمَّ أَيٌّ ؟قَالَ:( الْمَسْجِدُ
الْأَقْصَى). قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: ( أَرْبَعُونَ سَنَةً
).[ البخاري،حديث رقم: 3115] .
وهذا الحديث يفسر المراد بقوله تعالى :{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة..}، ويدل على أن المراد بالبيت: بيت العبادة، لا مطلق البيوت.
قال ابن الجوزي: فيه إشكال؛ لأن
إبراهيم بني الكعبة، وسليمان بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من ألف سنة.
انتهى، ومستنده في أن سليمان عليه السلام هو الذي بني المسجد الأقصى- قيل
له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع
عبادة، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، والمقدس: المطهر عن ذلك- ما رواه
النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بإسناد صحيح: أن سليمان
لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا الحديث، وفي الطبراني من
حديث رافع بن عميرة: أن داود عليه السلام ابتدأ ببناء بيت المقدس، ثم أوحى
الله إليه:{ إني لأقضي بناءه على يد سليمان}، قال: وجوابه: أن الإشارة إلى
أول البناء ووضع أساس المسجد، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة، ولا سليمان
أول من بنى بيت المقدس؛ فقد روينا: أن أول من بني الكعبة آدم، ثم انتشر
ولده في الأرض؛ فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى إبراهيم
الكعبة بنص القرآن. وكذا قال القرطبي: أن الحديث لا يدل على أن إبراهيم
وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدا وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه
غيرهما. والاحتمال الذي ذكره بن الجوزي أوجه؛ وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد
قول من قال: أن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين؛ فذكر ابن هشام في كتاب
التيجان: أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس، وأن
يبنيه فبناه ونسك فيه، وبناء آدم للبيت مشهور، وقد تقدم قريبا حديث عبد
الله بن عمرو: أن البيت رفع زمن الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم. وروى ابن
أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال: وضع الله البيت مع آدم لما هبط؛ ففقد
أصوات الملائكة وتسبيحهم؛ فقال الله له: {يا آدم إني قد أهبطت بيتا يطاف به
كما يطاف حول عرشي؛ فانطلق إليه}؛ فخرج آدم إلى مكة، وكان قد هبط بالهند،
ومد له في خطوه؛ فأتى البيت فطاف به، وقيل: إنه لما صلى إلى الكعبة أمر
بالتوجه إلى بيت المقدس؛ فاتخذ فيه مسجدا، وصلى فيه؛ ليكون قبلة لبعض
ذريته.[ فتح الباري: 6/408-409]
v إبراهيم عليه السلام يرفع بناء الكعبة :
أمر الله تعالى إبراهيم عليه
السلام أن يبني البيت، وأن إسماعيل يعينه؛ فقال إبراهيم لإسماعيل: إن الله
أمرني أن أبني البيت وتعينني. وتخلل بين قوله: ابني البيت، وبين قوله:
وتعينني، قول إسماعيل: فاصنع ما أمرك ربك.
وأشار إلى أكمة، فبناه إبراهيم
وإسماعيل، وليس معهما يومئذ غيرهما، يعني في مشاركتهما في البناء، وإلا فقد
تقدم أنه كان قد نزل الجرهميون مع إسماعيل؛ فرفعا القواعد من البيت.
وفي رواية أحمد عن ابن عباس: القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك.
وفي رواية مجاهد عند ابن أبي
حاتم ومن طريق عطاء قال: قال آدم: يا رب إني لا أسمع أصوات الملائكة؟ قال:{
ابن لي بيتا، ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء}.
وفي حديث عثمان وأبي جهم :فبلغ
إبراهيم من الأساس أساس آدم، وجعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه في
الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعا، وكان ذلك بذراعهم. زاد أبو جهم: وأدخل الحجر
في البيت. وفي حديثه أيضا: أن الله أوحى إلى إبراهيم أن اتبع السكينة؛
فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة؛ فحفرا يريدان أساس آدم الأول.
وفي رواية إبراهيم بن نافع: حتى
ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة؛ فقام على حجر المقام. زاد في
حديث عثمان: ونزل عليه الركن والمقام؛ فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني
عليه، ويرفعه له إسماعيل، فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ
موضعه، وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت؛ فلما فرغ إبراهيم من بناء الكعبة
جاء جبريل فأراه المناسك كلها، ثم قام إبراهيم على المقام فقال: يا أيها
الناس أجيبوا ربكم فوقف إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف، وحجه إسحاق وسارة من
بيت المقدس، ثم رجع إبراهيم إلى الشام فمات بالشام.[ فتح الباري: 6/406].
v قصة بناء قريش للكعبة :
عن جابر رضي الله عنه
قال: لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ؛ فَقَالَ
الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ
إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ؛ فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ، وَطَمَحَتْ
عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَقَالَ: ( أَرِنِي إِزَارِي)؛ فَشَدَّهُ
عَلَيْهِ .[ البخاري، رقم الحديث وفق ترتيب الفتح :1582].
لما بنيت الكعبة : هذا من مرسل
الصحابي؛ لأن جابرا لم يدرك هذه القصة؛ فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلى
الله عليه وسلم أو ممن حضرها من الصحابة. ففي بعض الروايات أن العباس حضر
البناء، فلعل جابرا حمله عنه .[فتح الباري : 3/ 441].
0 أخرج عبد الرازق عن أبي
الطفيل ومن طريقه والحاكم والطبراني قال : كانت الكعبة في الجاهلية مبنية
بالرضَم(أي:حجارة مجتمعة) ليس فيها مدر(قطع الطين اليابس)، وكانت قدر ما
يقتحمها العَناق(هي الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة)، وكانت
ثيابها توضع عليها، تسدل سدلا(أي تستر به)، وكانت ذات ركنين كهيئة هذه
الحلقة (توضع رسمة )؛ فأقبلت سفينة من الروم ، حتى إذا كانوا قريبا من جدة
انكسرت ، فخرجت قريش لتأخذ خشبها فوجدوا الرومي الذي فيها نجارا فقدموا به
وبالخشب ليبنوا به البيت؛ فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حية
فاتحة فاها؛ فبعث الله طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألقاها نحو
أجياد؛ فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة الوادي ،فرفعوها في السماء عشرين
ذراعا . فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد وعليه نمرة
فضاقت عليه النمرة؛ فذهب يضعها على عاتقه؛ فبدت عورته من صغرها؛ فنودي :
يا محمد خمر عورتك، فلم ير عريانا بعد ذلك، وكان بين ذلك وبين المبعث خمس
سنين .
قال معمر : وأما الزهري فقال :"
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة؛ فطارت
شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت؛ فتشاورت قريش في هدمها وهابوه.
فقال الوليد : إن الله لا يهلك من يريد الإصلاح؛ فارتقى على ظاهر البيت
ومعه العباس. فقال : اللهم لا نريد إلا الإصلاح ، ثم هدم . فلما رأوه مر
سالما تابعوه".
قال عبد الرازق وأخبرنا ابن
جريج قال : قال مجاهد : " كان ذلك قبل البعث بخمس عشرة سنة". ويمكن الجمع
بين الروايتين : بأن الحريق تقدم وقته على الشروع في البناء . [فتح الباري :
3/ 442].
0 وذكر ابن إسحاق : أن السيل
كان يأتي فيصيب الكعبة فيتساقط من بنائها، وكان رضما فوق القامة؛ فأرادت
قريش رفعها وتسقيفها؛ وذلك أن نفرا سرقوا كنز الكعبة. فذكرا القصة مطولة في
بنائهم الكعبة وفي اختلافهم فيمن يضع الحجر الأسود حتى رضوا بأول داخل؛
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحكموه في ذلك فوضعه بيده . قال :" وكانت
الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا".
ووقع عند الطبراني من طريق أخرى
عن ابن خثيم عن أبي الطفيل : أن اسم النجار المذكور: با قوم. وللفاكهي من
طريق ابن جريج مثله ، قال : وكان يتجر إلى بندر، وراء ساحل عدن؛ فانكسرت
سفينته بالشعيبة؛ فقال لقريش : إن أجريتم عيري مع عيركم إلى الشام أعطيتكم
الخشب؛ففعلوا.
قال الأزرقي : كان طولها سبعة
وعشرين ذراعا ، فاقتصرت قريش منها على ثمانية عشر، ونقصوا من عرضها أذرعا
أدخلوها في الحجر . [فتح الباري : 3/ 442].
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَهَا:( أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ
اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: ( لَوْلَا
حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ )؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ
اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ
الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ".[ البخاري،حديث رقم: 1583].
0 لولا حدثان : بمعنى الحدوث، أي: قرب عهدهم .
0 لفعلت : أي لرددتها على قواعد إبراهيم .
0 ما أرى : أي أظن ، وزاد في آخر الحديث :" ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك" .
0 استلام : المراد هنا: لمس الركن بالقبلة أو باليد .
0 يليان : أي يقربان من ( الحجر ) وهو معروف على صفة نصف الدائرة، وقدرها تسع وثلاثون ذراعا .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْرِ: أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: ( نَعَمْ ).
قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: ( إِنَّ
قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ). قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ
مُرْتَفِعًا ؟ قَالَ: ( فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا
وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا؛ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ
بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ
الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ).[ البخاري، حديث رقم: 1584].
0 عن الجدر : المراد الحجر .
0 ( أمن البيت هو ؟ قال : نعم
): هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت ، وكذا قوله في الطريق الثانية:( أن
أدخل الجدر في البيت)، وبذلك كان يفتي ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن
أبيه عن مرثد بن شرحبيل قال : سمعت ابن عباس يقول :" لو وليت من البيت ما
ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت ، فلِم يطاف به إن لم يكن من
البيت ؟".
0 وروى الترمذي والنسائي عن
عائشة قالت : كنت أحب أن أصلي في البيت؛ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيدي فأدخلني الحجر . فقال : ( صلي فيه؛ فإنما هو قطعة من البيت ، ولكن
قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت) . ولأحمد من طريق سعيد بن
جبير عن عائشة وفيه : أنها أرسلت إلى شيبة الحجبي ليفتح لها البيت بالليل؛
فقال : "ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل". وهذه الروايات كلها مطلقة ،
وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة، منها لمسلم من طريق أبي قزعة عن الحارث
بن عبد الله عن عائشة : (حتى أزيد فيه من الحجر ). وله من وجه آخر عن
الحارث عنها : ( فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه؛
فأراها قريبا من سبعة أذرع ) . وله من طريق سعيد بن ميناء عن عبد الله بن
الزبير عن عائشة في هذا الحديث : ( وزدت فيها من الحجر ستة أذرع).
ولسفيان بن عيينة في جامعه عن
داود بن شابور عن مجاهد : " أن ابن الزبير زاد فيها ستة أذرع مما يلي الحجر
". وهكذا ذكر الشافعي عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه
البيهقي في "المعرفة" عنه ، وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة
ودون السبعة [فتح الباري : 3/ 443].
0 قصرت بهم النفقة : أي النفقة
الطيبة التي أخرجوها لذلك . وعند ابن إسحاق في السيرة : " أن أبا وهب بن
عابد بن عمران بن مخزوم – وهو جد جعدة بن هبرة بن أبي وهب المخزومي – قال
لقريش : لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا الطيب، ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع
ربا ولا مظلمة أحد من الناس" .
وروى سفيان بن عيينة في جامعه
عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أنه شهد عمر ابن الخطاب أرسل إلى شيخ من
بني زهرة أدرك ذلك فسأله عمر عن بناء الكعبة؟ فقال : إن قريشا تقربت لبناء
الكعبة – أي بالنفقة الطيبة – فعجزت : فتركوا بعض البيت في الحجر ، فقال
عمر: صدقت" .
0 فأخاف أن تنكر قلوبهم : النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الإنفراد بالفخر دونهم .[فتح الباري : 3/ 444].
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ
الْبَيْتَ، ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَام؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ، وَجَعَلْتُ لَهُ
خَلْفًا).قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ: خَلْفًا يَعْنِي
بَابًا.[البخاري، حديث رقم: 1585].
0 وجعلت له خلفا : يعني بابا من الخلف يقابل الباب المقدم .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَهَا: ( يَا عَائِشَةُ! لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ
بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا
أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ:
بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا؛ فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ
إِبْرَاهِيمَ)؛ فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا عَلَى هَدْمِهِ. قَالَ يَزِيدُ: وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ
حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ، وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنْ الْحِجْرِ، وَقَدْ
رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ. قَالَ
جَرِيرٌ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالَ أُرِيكَهُ الْآنَ؛
فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَا هُنَا.
قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنْ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ
نَحْوَهَا.[ البخاري، حديث رقم: 1586].
v روايات بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما للكعبة سنة 64 هـ :
عند مسلم من طريق عطاء بن أبي
رباح قال :" لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام فكان
من أمره ما كان"، وللفاكهي في "كتاب مكة" قالوا : لما أحرق أهل الشام
الكعبة ورموها بالمنجنيق وهت الكعبة"، : وعن ابن سعد في الطبقات قال :
ارتحل الحصين بن نمير – يعني الأمير الذي كان يقاتل ابن الزبير من قبل يزيد
بن معاوية – لما أتاهم موت يزيد بن معاوية في ربيع الآخر سنة 64 هـ . قال :
فأمر ابن الزبير بالخصاص التي كانت حول الكعبة فهدمت ، فإذا الكعبة تنفض –
أي تتحرك- متوهنة ترتج من أعلاها إلى أسفلها، فيها أمثال جيوب النساء من
حجارة المنجنيق ) .
وللفاكهي : " بلغني أنه لما قدم
جيش الحصين بن نمير أحرق بعض أهل الشام على باب بني جمح، وفي المسجد يومئذ
خيام؛ فمشى الحريق حتى أخذ في البيت فظن الفريقان أنهم هالكون، وضعف بناء
البيت حتى أن الطير ليقع عليه فتناثر حجارته" .
ولعبد الرازق قال : "كانت
الكعبة قد وهت من حريق أهل الشام؛ قال: فهدمها ابن الزبير؛ فتركه ابن
الزبير حتى قدم الناس الموسم؛ يريد أن يحزبهم على أهل الشام؛ فلما صد الناس
قال: أشيروا علي في الكعبة" .
و لابن سعد قال :"لم يبن ابن الزبير الكعبة حتى حج الناس سنة أربع وستين، ثم بناها حين استقبل سنة 65 هـ".
جمع ابن حجر بين روايات بداية بناء ابن الزبير للكعبة:
" بأن يكون ابتداء البناء في ذلك الوقت، وامتد أمده إلى الموسم ليراه أهل الآفاق؛ ليشنع بذلك على بني أمية" . [فتح الباري : 3/ 445].
0 وعند مسلم أن ابن عباس أشار
على ابن الزبير بأن لا يفعل، وقول ابن الزبير:" لو أن أحدكم احترق بيته
بناه حتى يجدده" ، وأنه استخار الله ثلاثا ،ثم ندم على أن ينقضها. قال:
فتحاماه الناس حتى صعد رجل فألقى منه حجارة ، فلما لم يره الناس أصابه شيء
تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، وجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها
الستور حتى ارتفع بناؤه.
0 قال ابن عيينة في جامعه عن
داود بن سابور عن مجاهد قال :" خرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر
العذاب ، وارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم"، وفي رواية :
"ثم عزل ما كان يصلح أن يعاد في البيت فبنوا به ؛ فنظروا إلى ما كان لا
يصلح منها أن يبنى به فأمر به أن يحفر له في جوف الكعبة فيد فن ، واتبعوا
قواعد إبراهيم من نحو الحجر فلم يصيبوا شيئا حتى شق على ابن الزبير، ثم
أدركوها بعدما أمعنوا؛ فنزل ابن الزبير فكشفوا له عن قواعد إبراهيم: وهي
صخر أمثال الخلف من الإبل؛ فانفضوا له، أي: حركوا تلك القواعد بالعتل؛
فنفضت قواعد البيت، ورأوه بنيانا مربوطا بعضه ببعض ؛ فحمد الله وكبره، ثم
أحضر الناس؛ فأمر بوجوههم وأشرافهم، فنزلوا حتى شاهدوا ما شاهدوه، ورأوا
بنيانا متصلا فأشهدهم على ذلك" .
وفي رواية عطاء :" وكان طول
الكعبة ثمان عشرة ذراعا؛ فزاد ابن الزبير في طولها عشرة أذرع"، وروى عبد
الرزاق :" أنهم كشفوا عن القواعد؛ فإذا الحجر مثل الخلفة، والحجارة مشبكة
بعضها ببعض".
0 قال مسلم في رواية عطاء : (
وجعل له بابين ): "أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه" [فتح الباري : 3/
446]؛ فكان الناس لا يزدحمون فيها يدخلون من باب، ويخرجون من باب.
v الحجاج يغير بناء الكعبة ويعيدها كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
0 ذكر مسلم من رواية عطاء قال :
" فلما قتل ابن الزبير؛ كتب الحجاج إلى عبد الملك ابن مروان يخبره: أن ابن
الزبير قد وضعه على أس نظر العدول من أهل مكة إليه؛ فكتب إليه عبد الملك :
" إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء. أما ما زاد في طوله فأقره، وأما
ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد بابه الذي فتحه" ؛ فنقضه وأعاده
إلى بنائه" .
0 وللفاكهي : " أن الحجاج هدمها، وبنى شقها الذي يلي الحجر، ورفع بابها، وسد الباب الغربي".
0 قال أبو أويس:" فأخبرني غير واحد من أهل العلم: أن عبد الملك بن مروان ندم على إذنه للحجاج في هدمها ، ولعن الحجاج" .
0 وعند مسلم في رواية عطاء : أن
الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك في خلافته فقال:" ما
أظن أبا خبيب – يعني ابن الزبير – سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها"؛
فقال الحارث : " بلى، أنا سمعته منها ". وزاد عبد الرازق :" وكان الحارث
مصدقا لا يكذب"؛ فقال عبد الملك : أنت سمعتها تقول ذلك ؟
قال : نعم ، فنكت ساعة بعصاه!! وقال : وددت أني تركته وما تحمل". [فتح الباري : 3/ 446].
v فوائد من حديث بناء الكعبة :
0 حكى ابن عبد البر عن الرشيد
أو المهدي أو المنصور: أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير؛
فناشده مالك في ذلك؛ وقال : أخشى أن يصير ملعبة للملوك؛ فتركه".
قال ابن حجر : وهذا بعينه خشية
جدهم الأعلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ فأشار على ابن الزبير لما
أراد أن يهدم الكعبة ويجدد بناءها : بأن يرم ما وهى منها، ولا يتعرض لها
بزيادة ولا نقص، وقال له :" لا آمن أن يجيء بعدك أمير فيغير الذي صنعت"
أخرجه الفاكهي من طريق عطاء عنه .
0 ولم يغير أحد من الخلفاء، ولا
من دونهم، شيئا مما صنعه الحجاج إلى الآن ، إلا في الميزاب والباب وعتبته،
والترميم في جدارها ، وفي سقفها، وفي سلم سطحها، وكان أول من فرشها
بالرخام: الوليد بن عبد الملك. [فتح الباري : 3/ 448].
0 قال صلى الله عليه وسلم : (
إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة – يعني الكعبة – حق تعظيمها
، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا ) أخرجه أحمد، وابن ماجة، وسنده حسن .[فتح الباري :
3/ 449]
v بَاب فَضْلِ الْحَرَمِ (المكي):
وَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي
حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ }.
0 إضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها . [فتح الباري : 3/ 449]
وَقَوْلِهِ جَلَّ
ذِكْرُهُ : { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ
ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ }.
0روى النسائي في سبب التفسير:
أن الحارث بن مر بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن نتبع الهدى معك
نتخطف من أرضنا؛ فأنزل الله عز وجل ردا عليه : ( أو لم نمكن لهم حرما آمنا
) الآية . أي: إن الله جعلهم في بلد أمين، وهم منه في أمان في حال كفرهم؛
فكيف لا يكون أمنا لهم بعد أن أسلموا وتابعوا الحق .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: ( إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ
حَرَّمَهُ اللَّهُ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ،
وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ، إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا).[ البخاري، حديث رقم: 1587].
v بَاب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا :
وَأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً
الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ
نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }.
الْبَادِي: الطَّارِي. { مَعْكُوفًا }: مَحْبُوسًا.
البادي : الذي يكون في البدو ، ومعنى الآية : أن المقيم والطارئ سيان. وعن قتادة{ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}أي: سواء فيه أهل مكة وغيرهم . ومعنى العاكف : المقيم .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ
زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ
تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: ( وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ
رِبَاعٍ، أَوْ دُورٍ). وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ
وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ
وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ؛ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يَقُولُ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:{ إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }.الْآيَةَ.[ البخاري، حديث رقم: 1588].
0 قال عبد الرزاق عن ابن جريج:
"كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم؛ فأخبرني: أن عمر نهى أن تبوب دور مكة؛
لأنها ينزل الحاج في عرصاتها" ، وروى عبد الرزاق عن مجاهد عن ابن عمر : "لا
يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها ". وبه قال الثوري وأبو حنيفة . وبالجواز
قال الجمهور. [فتح الباري : 3/ 4450]
واحتج الشافعي بحديث أسامة الذي
أورده البخاري بالباب، قال الشافعي : فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها
منه، وبقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح : ( من دخل دار أبي سفيان فهو
آمن)؛ فأضاف الدار إليه . واحتج ابن خزيمة بقوله تعالى : { للفقراء الذين
أخرجوا من ديارهم وأموالهم }؛ فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال
إليهم ، ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من
دور ليست بملك لهم .
أما الجمع بينها وبين ما رواه
عبد الرزاق عن عمر قال : يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا ، لينزل
البادي حيث شاء . فيجمع بينهما: بكراهة الكراء رفقا بالوفود، ولا يلزم من
ذلك منع البيع والشراء، وإلى هذا جنح الإمام أحمد وآخرون. [فتح الباري : 3/
451] .
0 اختلف بالمقصود في قوله تعالى
: ( المسجد الحرام ): هل هو الحرم كله، أو مكان الصلاة فقط؟ قال ابن خزيمة
: " لو كان المراد بقوله تعالى : ( سواء العاكف فيه والباد ) جميع الحرم ،
وأن اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا
التغوط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن.قال: ولا نعلم عالما منع من ذلك
ولا كره لحائض ولا لجنب دخول الحرم ولا الجماع فيه، ولو كان كذلك لجاز
الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها، ولا يقول بذلك أحد" . قلت ( أي ابن حجر ) :
والقول بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ورد عن ابن عباس وعطاء ومجاهد
أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنهم، والأسانيد بذلك كلها ضعيفة إليهم.
0 الرباع : المنزل المشتمل على أبيات، وقيل هي الدار .
. ودار النبي صلى الله عليه
وسلم استولى عليها عقيل وطالب ، باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا
لم يسلما، وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة ، وفقد
طالب ببدر؛ فباع الدار أبناء عقيل إلى محمد بن يوسف أخي الحجاج بمائة ألف
دينار . [فتح الباري : 3/452] .
v بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ
أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي
وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ
مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ } الْآيَةَ.
v قصة إسكان إبراهيم لهاجر وابنها مكة :
أخرج البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{ واتخذ الله إبراهيم خليلا }،عن
ابن عباس قال: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ
أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا(هو ما يشد به الوسط...ووقع في
رواية بن علية عند الإسماعيلي:أول ما أحدث العرب جر الذيول عن أم إسماعيل
وذكر الحديث. فتح الباري - ابن حجر (6/ 400)؛ لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى
سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ
تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ، عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ
زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ،
وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا
جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ
مُنْطَلِقًا؛ فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا
إِبْرَاهِيمُ! أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي
لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ ؟
فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا!
فَقَالَتْ لَهُ: أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ .
قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا.
ثُمَّ رَجَعَتْ؛ فَانْطَلَقَ
إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا
يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ
الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: رَبِّ { إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ...حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ }.
وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ
تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا
نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ
تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ؛ فَانْطَلَقَتْ
كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ
فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ
الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ
مِنْ الصَّفَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ
دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى
جَاوَزَتْ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا
وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا؛ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ
سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا)، فَلَمَّا
أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ. تُرِيدُ
نَفْسَهَا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا؛ فَقَالَتْ: قَدْ
أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ؛ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ
مَوْضِعِ زَمْزَمَ؛ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ حَتَّى
ظَهَرَ الْمَاءُ؛ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا،
وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ
مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ؛ لَوْ تَرَكَتْ
زَمْزَمَ، أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ
زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا)، قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا؛
فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ؛ فَإِنَّ هَا هُنَا
بَيْتَ اللَّهِ؛ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا
يُضِيعُ أَهْلَهُ. وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ
كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ
وَشِمَالِهِ؛ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ
جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ
كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا؛
فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا
بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ؛ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ
جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ
بِالْمَاءِ؛ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ
فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ
، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالُوا: نَعَمْ .قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَلْفَى
ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ؛ فَنَزَلُوا
وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ
بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ
الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ؛
فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ
إِسْمَاعِيلَ؛ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ
يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ؛ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ
عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ
عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ
وَشِدَّةٍ؛ فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي
عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ.
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ
كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا؛ فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ:
نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ،
وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ
وَشِدَّةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي
أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ.
قَالَ ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ؛ الْحَقِي
بِأَهْلِكِ؛ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى.
فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ
مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ؛ فَدَخَلَ
عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ؟ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.
قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ؟
فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ:
مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ. قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ:
الْمَاءُ. قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ".
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ
يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ، قَال:َ
فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ
يُوَافِقَاهُ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ
السَّلَامَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ.
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ
قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ
حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ
فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا
بِخَيْرٍ. قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ
عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ:
ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ.
ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا
شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا
لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ؛ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ
إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ
بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي
بِأَمْرٍ. قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَتُعِينُنِي؟
قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا
هُنَا بَيْتًا. وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا
حَوْلَهَا.
قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا
الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ؛ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي
بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ
جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ؛ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ
يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ:{
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }. قَالَ
فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا
يَقُولَانِ:{ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ }.
v بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ
وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
0 قياما : أي أنها مادامت
موجودة فالدين قائم . وقد روى ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن الحسن البصري
:أنه تلا هذه الآية فقال : "لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا
القبلة". وعن عطاء قال:" قياما للناس؛ لو تركوه عاما لم ينظروا أن يهلكوا"
.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ
يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ؛ فَلَمَّا
فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ
يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ ).[ البخاري، حديث رقم: 1592].
في الجاهلية كانوا يعظمون
الكعبة قديما بالستور ويقومون بها، فكانوا يكسون الكعبة في كل يوم عاشوراء
من كل سنة، ثم صارت تكسى في يوم النحر. [فتح الباري : 3/455].
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ
بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ). تَابَعَهُ أَبَانُ وَعِمْرَانُ
عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: ( لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ). وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ.
سَمِعَ قَتَادَةُ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ أَبَا سَعِيدٍ.[ البخاري، حديث رقم: 1593].
0 والجمع بين حديثي الحج بعد
يأجوج ومأجوج وحديث : أنه لا يحج بعدها هو : أنه لا يلزم من حج الناس بعد
خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة، ويظهر
والله أعلم: أن المراد بقوله" ليحجن"أي:مكان البيت لما سيأتي: أن الحبشة
إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك. [فتح الباري : 3/455].
v بَاب كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ :
عَنْ أَبِي وَائِلٍ
قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِيِّ فِي الْكَعْبَةِ
فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَقَالَ:لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ
إِلَّا قَسَمْتُهُ؛ قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا. قَالَ:
هُمَا الْمَرْءَانِ أَقْتَدِي بِهِمَا.[ البخاري، حدث رقم: 1594].
0 شيبة بن عثمان بن طلحة بن عبد الدار الحجبي نسبة : إلى حجب الكعبة .
0 صفراء ولا بيضاء : أي ذهبا
ولا فضة ، وأراد: الكنز الذي بها، وهو ما كان يهدى إليها؛ فيدخر ما يزيد عن
الحاجة، وأما الحلي:فمحبسة عليها كالقناديل؛ فلا يجوز صرفها في غيرها.
0 إلا قسمته : أي المال ، يريد به تقسيمه على فقراء المسلمين .
0 لم يفعله صاحباك : أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر .
0 هما المرءان : تثنية مرء أي الرجلان .
0 ومثلها حديث بن عمر وأبي بن
كعب عند عبد الرزاق : أن عمر أراد أن يأخذ الكنز فينفقه في سبيل الله؛ فقال
له أبي بن كعب : قد سبقك صاحباك؛ فلو كان فضلا لفعلاه. هذا لفظ عمر بن شبة
، أما رواية عبد الرزاق : فقال له أبي بن كعب : والله ما ذاك لك ، قال :
ولم ؟ قال : أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن بطال : أراد عمر
لكثرته؛ إنفاقه في منافع المسلمين، ثم لما ذكر بأن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يتعرض له أمسك؛ وإنما تركا ذلك والله أعلم؛ لأن ما جعل في الكعبة
وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه ، وفي ذلك تعظيم
الإسلام وترهيب العدو. [فتح الباري : 3/457].
0 قال ابن حجر : أما التعليل
الأول فليس بظاهر من الحديث، بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم
لذلك رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما
وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة : ولفظه : ( لولا أن
قومك حديثو عهد بكفر؛ لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض
)؛ فهذا التعليل هو المعتمد... وعلى هذا: فإنفاقه جائز كما جاز لابن
الزبير بناؤها على
قواعد إبراهيم لزوال سبب
الامتناع، ولولا قوله في الحديث : " في سبيل الله" لأمكن أن يحمل الإنفاق
على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس، ويمكن أن يحمل قوله " في
سبيل الله " على ذلك؛ لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله .
v تزيين الكعبة وتحليتها فيه وجهان :
أحدهما: الجواز تعظيما كما في
المصحف. والآخر: المنع؛ إذ لم ينقل من فعل السلف . وهذا مشكل؛ لأن الكعبة
من التعظيم ما ليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج ، وفي
جواز ستر المساجد بذلك خلاف. [فتح الباري : 3/457].
0 قال ابن بطال: معلوم أن
الملوك في كل زمان كانوا يتفاخرون بكسوة الكعبة برفيع الثياب المنسوجة
بالذهب وغيره كما يتفاخرون بتسبيل الأموال لها، فأراد البخاري أن عمر لما
رأى قسمة الذهب والفضة صوابا كان حكم الكسوة حكم المال تجوز قسمتها، بل ما
فضل من كسوتها أولى بالقسمة.
0 الأظهر جواز قسمة الكسوة العتيقة . [فتح الباري : 3/458] .
0 وأخرج الفاكهي في كتاب مكة : أن عمر كان ينزع كسوة الكعبة كل سنة فيقسمها على الحاج.
v أول من كسا الكعبة :
إسماعيل، وعدنان، وتبع وهو
أسعد، حيث كساها تبعا الوصائل: وهي ثياب حبرة من اليمن، وأول من كساها
الديباج خالد ونتلية، وأما معاوية فكساها آخر خلافته فصادف ذلك خلافة ابنه
يزيد، وأما بان الزبير كساها بعد تجديد عمارتها، وكساها الحجاج بأمر عبد
الملك، ثم استمر كسوتها الديباج في كل سنة .
وذكر الفاكهي : أن أول من كساها
الديباج الأبيض المأمون بن الرشيد. وكسيت أيام الفاطميين الديباج الأبيض.
وكساها محمد بن سبكتكين ديباجا أصفر. وكساها الناصر العباسي ديباجا أخضر.
ثم كساها ديباجا أسود فاستمر إلى الآن. [فتح الباري : 3/460].
v بَاب هَدْمِ الْكَعْبَةِ :
قَالَتْ عَائِشَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ؛ فَيُخْسَفُ بِهِمْ ).
0 في آخر الزمان – فيه إشارة
إلى أن غزوا الكعبة سيقع ، فمرة يهلكم الله . قبل الوصول إليها ، وأخرى
يمكنهم ، والظاهر أن غزوا الذين يخربونه متأخر عن الأولين . [فتح الباري :
3/461]
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: ( كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ، يَقْلَعُهَا حَجَرًا
حَجَرًا ).[البخاري، حديث رقم: 1595].
والذي يظهر: أن في الحديث شيئا
حذف، ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في "غريب الحديث"
من طريق أبي العالية عن علي قال: " استكثروا من الطواف بهذا البيت؛ قبل أن
يحال بينكم وبينه؛ فكأني برجل من الحبشة أصلع، أو قال: أصمع، حمش الساقين،
قاعد عليها وهي تهدم" ورواه الفاكهي من هذا الوجه، ولفظه:" أصعل" بدل أصلع،
وقال: " قائما عليها يهدمها بمسحاته" ورواه يحيى الحماني في مسنده من وجه
آخر عن علي مرفوعا.
0قوله: " أفحج "، الفحج : تباعد ما بين الساقين .
وقوله :( أصلع – أو أصعل – أو أصمع )، الأصلع : من ذهب شعر مقدم رأسه ، والأصعل: هو الصغير الرأس.
والأصمع: هو الصغير الأذنين .
0 وقوله :(حمش الساقين) : أي دقيق الساقين .
وقوله: (يقلعها حجرا حجرا ): أي الكعبة. [فتح الباري : 3/461]
وعن أَبَي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ
الْحَبَشَةِ ).[ البخاري، حديث رقم: 1596].
0 ذو السويقتين : تثنية سويقة، وهي تصغير ساق، أي: له ساقان دقيقان.
0 من الحبشة : رجل من الحبشة .
0 الحديث عند أحمد : ( يبايع
للرجل بين الركن والمقام ، ولن يستحل هذا البيت إلا أهله؛ فإذا استحلوه فلا
تسأل عن هلكة العرب ، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا،
وهم الذين يستخرجون كنزه ) . [فتح الباري : 3/461].
0 مسألة :
قيل أن هذا الحديث يخالف قوله
تعالى :( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ) ولأن الله حبس عن مكة الفيل ولم
يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ولم تكن إذ ذاك قبلة، فكيف يسلط عليها الحبشة
بعد أن صارت قبلة للمسلمين؟
0 الجواب :
بأن ذلك محمول على أنه يقع آخر الزمان قرب قيام الساعة، حيث لا يبقى في
الأرض أحد يقول: الله، الله، كما ثبت في صحيح مسلم : ( لا تقوم الساعة حتى
لا يقال في الأرض: الله، الله)؛ ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان :( لا
يعمر بعده أبدا )، وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال، وغزوا أهل الشام له في
زمن يزيد بن معاوية، ثم من بعده وقائع كثيرة من أعظمها: وقعة القرامطة بعد
الثلاثمائة؛ فقتلوا المسلمين في المطاف من لا يحصى، وقلعوا الحجر فحولوه
إلى بلادهم، ثم أعادوه بعد مدة طويلة، ثم غزي مرارا بعد ذلك ، وكل ذلك لا
يعارض قوله تعالى : ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا )؛ لأن ذلك إنما وقع
بأيدي المسلمين؛ فهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم : (ولن يستحل هذا
البيت إلا أهله)؛ فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من
علامات نبوته ، وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها. [فتح
الباري : 3/461-462].
v بَاب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ:
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ؛
فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ؛
وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ).[ البخاري، حديث رقم: 1597].
0 ورد في الحجر الأسود أحاديث :
منها حديث ابن عباس مرفوعا : ( نزل الحجر الأسود من الجنة ، وهو أشد بياضا
من اللبن ، فسودته خطايا بني آدم ) رواه الترمذي وصححه، وفيه عطاء بن
السائب وهو صدوق لكنه اختلط، ولكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى
بها ، وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرا، ولفظه : (
الحجر الأسود من الجنة )، وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط .
0 وفي صحيح ابن خزيمة أيضاً عن
ابن عباس مرفوعا : ( إن لهذا الحجر لسانا وشفتين، يشهدان لمن استلمه يوم
القيامة بحق )، وصححه أيضا ابن حبان والحاكم، وله شاهد من حديث أنس عند
الحاكم أيضا. [فتح الباري : 3/462].
وقد روى النسائي من وجه آخر ما
يشعر بأن عمر رفع قوله ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم، أخرجه من طريق
طاوس عن ابن عباس قال: رأيت عمر قبل الحجر ثلاثا، ثم قال: "إنك حجر لا تضر
ولا تنفع؛ ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك".
ثم قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل مثل ذلك".
قال الطبري : إنما قال ذلك عمر؛
لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام؛ فخشي عمر أن يظن الجهال أن
استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية؛
فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم، لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان .
0 وفي قول عمر هذا التسليم
للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة
عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة
فيه، وفيه بيان السنن بالقول والفعل ,
0 قال في شرح الترمذي : " فيه
كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله ، وأما قول الشافعي : ومهما قبل من
البيت فحسن، فلم يرد به الاستحباب؛ لأن المباح من جملة الحسن عند
الأصوليين" .
0اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي فقال : كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد ؟
وأحبيب بما قال ابن قتيبة : لو
شاء الله لكان ذلك، وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ، ولا ينصبغ
على العكس من البياض . وقال المحب الطبري : في بقائه أسود عبرة لمن له
بصيرة؛ فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد . قال
وروي عن ابن عباس: "إنما غيره بالسواد؛ لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة
الجنة"؛فإن ثبت فهذا هو الجواب . [فتح الباري : 3/463].
v بَاب إِغْلَاقِ الْبَيْتِ وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ:
عَنْ سَالِمٍ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ
بْنُ طَلْحَةَ؛ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ؛ فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ
أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ
الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.[ البخاري، حديث رقم: 1598].
0 حجبة الكعبة: هم بنو شيبة بن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي بن كلاب، وله صحبة.
0 دخل النبي صلى الله عليه وسلم
عام الفتح ومعه أسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة صاحب المفتاح، ثم أغلق الباب
عليهم، ومكث زمنا داخلها. [فتح الباري : 3/464].
حرص ابن عمر على تعلم ومعرفة
سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن عمر فلقيت بلالا فسألته : أين صلى ؟
.. وفي رواية : ما صنع ؟، وفي رواية : فقلت : أصلى النبي في الكعبة ؟ قال :
نعم . وللجمع بين الروايات : تحمل على أنه ابتدأ بلالا بالسؤال ، ثم أراد
زيادة الاستثبات في مكان الصلاة ، فسأل عثمان وأسامة ، يؤيد ذلك رواية مسلم
: ونسيت أن أسألهم كم صلى ؟ بصيغة الجمع . [فتح الباري : 3/465].
0 قال ابن حجر : وفيه استحباب دخول الكعبة ما لم يؤذ أحدا بدخوله .
0 وفيه استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النفل. [فتح الباري : 3/466].
v بَاب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ الْكَعْبَةَ :
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَحُجُّ كَثِيرًا وَلَا يَدْخُلُ.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: " اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ
رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ
:أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا".[البخاري، حديث رقم: 1600].
0 فيه رد على من زعم أن دخولها من مناسك الحج . [فتح الباري : 3/467].
v بَاب مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْكَعْبَةِ :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ
الْآلِهَةُ؛ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجُوا صُورَةَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ؛ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَاتَلَهُمْ
اللَّهُ؛ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا
بِهَا قَطُّ)؛ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ
يُصَلِّ فِيهِ).[ البخاري، حديث رقم: 1601].
الجمع بين حديث نفي الصلاة
وحديث ابن عمر في إثبات الصلاة: قال ابن حجر ( ولا معارضة ) في ذلك بالنسبة
إلى الترجمة؛ لأن ابن عباس أثبت التكبير ولم يتعرض له بلال، وبلال أثبت
الصلاة ونفاها ابن عباس؛ فقدم البخاري إثبات بلال للصلاة، واحتج بزيادة ابن
عباس ، وقد يقدم إثبات بلال على نفي غيره لأمرين :
أحدهما: أن ابن عباس لم يكن مع
النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وإنما اسند نفيه تارة لأسامة وتارة لأخيه
الفضل، مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة، وقد روى أحمد:
أن ابن عباس روى عند أخيه الفضل نفى الصلاة فيها؛ فيحتمل أن الفضل تلقاها
عن أسامة. وقد ثبت في رواية ابن عمر إثبات أسامة للصلاة كما جاء في رواية
أحمد وغيره ( فتعارضت ) الرواية في ذلك عنه؛ فتترجح رواية بلال من جهة أنه
مثبت وغيره
ناف، ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من نفى .
0 وقال النووي للجمع بين إثبات
بلال ونفي أسامة : بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء؛ فرأى أسامة
النبي صلى الله عليه وسلم يدعو؛ فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية والنبي في
ناحية، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربة منه، ولم يره
أسامة لبعده؛ ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة . [فتح الباري : 3/468].
v بَاب اسْتِلَامِ الْحَجَرِ :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ
الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ ".تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَخِي
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ.[ البخاري، حديث رقم: 1607].
قال الجمهور : السنة أن يستلم
الركن ويقبل يده؛ فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك
الشيء؛ فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك . [فتح الباري : 3/473].
v بَاب مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ:
عَنْ
أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنْ
الْبَيْتِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ؛ فَقَالَ لَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هَذَانِ
الرُّكْنَانِ؛ فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، وَكَانَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ.[ البخاري، حديث رقم: 1608].
0 في البيت أربعة أركان : الأول
له فضيلتان : كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم، والثاني
الثانية فقط ( على قواعد إبراهيم )، وليس للآخرين شيء منها؛ فلذلك يقبل
الأول ، ويستلم الثاني فقط، والاستلام: المسح باليد. والتقبيل:بالفم ، ولا
يقبل الآخران ولا يستلمها على رأى الجمهور . [فتح الباري : 3/475].
قال ابن عمر : " إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم ".
حمل ابن التين استلام ابن الزبير لهما؛ لأنه عمر الكعبة على قواعد إبراهيم.
وعند أحمد: عن مجاهد عن ابن
عباس : انه طاف مع معاوية بالبيت فجعل معاوية يستلم الأركان كلها؛ فقال له
ابن عباس: لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم
يستلمهما؟ فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورا؛ فقال ابن عباس: { لقد كان
لكم في رسول الله أسوة حسنة }؛ فقال معاوية: صدقت. [فتح الباري : 3/474].
v بَاب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ :
ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَهُ قَالَ: "سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ". قَالَ
عَاصِمٌ: "فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى بَعِيرٍ".[ البخاري، حديث رقم: 1637].
0 وقع في مسلم من حديث أبي ذر:(
أنها طعام طعم )، وزاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم: ( وشفاء
سقم )، وفي المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعا : ( ماء زمزم لما شرب له )
رجاله موثوقون ، إلا أنه اختلف في إرساله ووصله، وإرساله أصح ، وله شاهد من
حديث جابر ، وهو أشهر منه أخرجه الشافعي وابن ماجة ورجاله ثقات، إلا عبد
الله بن المؤمل المكي فذكر العقيلي: أنه تفرد به .
0 سميت زمزم لكثرتها ، يقال:
ماء زمزم، أي: كثير ، وقيل: لاجمتاعها، وعن مجاهد : إنما سميت زمزم؛ لأنها
مشتقة من الهزمة، والهزمة: الغمز بالعقب في الأرض، وقيل : لحركتها، وقيل:
لأنها زمت بالميزان لئلا تأخذ يمينا وشمالا.
ثبت عن علي عند البخاري: " أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما"؛ فيحمل على بيان الجواز. [فتح الباري : 3/493].