adsens

[احاديث نبوية ][horizontal][recent][5]

ترسو على شواطئ الغربة سفائن الحياة على قدر موعود ، بحثاً عن الأرزاق التي تفي بمطالب الأبدان .
وتنعم الأرواح حينا وتشقى أحيانا بنعيم ولهيب الأشواق إلى الأوطان .
وتمضي الرحال بالغرباء على قافلة السلامة أو العطب أو العطاء أو الحرمان .
يربح المهاجرون خُلوف الأموال و يتفيئون ظلال المباهج الزائلة .. لكن ؛ ربما أن خسارتهم في رحلتهم – التي كانت – لا تقدر بفقد الأموال كلها إن ضاع منهم دينهم، أو تاه أولادهم، أو تغربت منهم بناتهم .
لأن الإسلام العظيم علمنا أن الذرية نعمة مباركة من الله تعالى لا يجوز إهمالها، ولا التفريط فيها، بل تستحق تواصل الشكر لواهب النعم ، قال الله تعالى { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات ........}(النحل 32)، ووصف القرآن الكريم البنين بأنهم زينة الدنيا وبهجتها حين قال: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ( الكهف46)
متى تبدأ التربية ؟

هناك بعض الآباء والأمهات يهملون أولادهم حتى ينفرط عقدهم، ويفلت زمامهم إلى سن بعيدة عن زمن التعلم والتأدب بعدما تتميع منهم الشخصية، ويتشبعون بمعانى الإستهتار وعدم الانضباط .. وذلك من جراء فهم خاطئ لمعنى الحنان والرحمة بالصغار.
وفي الأثر [ لاعب ولدك سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا، ثم اترك حبله على غاربه ] .. ففي هذا الأثر الحكيم بيان لثلاثة مراحل من عمر الولد ، ولكل مرحلة ما يناسبها من التعامل :

أ – المرحلة الأولى :

وتبدأ بعد الولادة إلى سن السابعة ، وفيها ينزل الوالدان- بطبيعة الحال – إلى مستوى خيال الطفل وتصوراته، ويلعبان معه إيناساً لنفسه، ودفعاً للأزمات النفسية الناجمة عن سوء التعامل معه، أو اتخاذ العنف والخشونة منهجاً وسبيلا .

ب – المرحلة الثانية :
ومع سن السابعة يحين أوان التأديب التربوي المتاح بكل وسيلة ممكنة ومقبولة - شرعا - إما بالوعظ أو التعليم أو الثواب أو العقاب، وسائر طرائق التأديب والتقويم؛ لأن الناشئ في هذه المرحلة يقبل كل ما يعرض عليه، ثم يسير على هداه .. والتأديب في ذلك السن أمر نهائي راسخ في نفسية الولد أو الفتاة، لا يتغير ولا يتأتى له النسيان مهما مرت الأيام والليالي، بل والسنوات.
نلمح ذلك من حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع " (أبوداوود 495) .
فبناءً على هذا الأساس التربوي النبوي الحكيم تبدأ المرحلة الثانية – كما سلف – في طورها الطبيعي الفطري الذي يمكن أن يلم الناشئة من خلاله مهارات الأدب والفهم، والاستعداد للتقويم بعد ذلك .
فإذا أهمل الناشئ لأكثر من ذلك دون رعاية أو تأديب فإن أثر التربية يكون معدوما ، قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور58-59 . نجد في هذا النص القرآني الحكيم أن التأديب يجب أن يبدأ مبكراً من قبل أن يبلغ الأطفال الحلم، من خلال إلقاء الأمر عليهم بوجوب الاستئذان في أوقات محدودة، وهذا التأديب الأولي يعد تدريبا واستعدادا للمرحلة التي تلي مرحلة الطفولة حيث المسئولية الكاملة .
وفي مرحلة الطفولة يقبل الصبي والفتاة ما يعرض لهما من الآداب والتوجيهات ، يقول عمر بن أبي سلمة – رضي الله عنه – كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام : سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " فما زالت تلك طعمتي بعد . (البخاري576 بسند صحيح)

لهذا نرجوا الاستفادة من النصوص السابقة في توطين الأدب نفس الصبي والفتاة وهما في سن الصبا قبل أن يشتد العود ويصبح تغيير الحال من المحال ، والتعليم في الصغر – كما قيل – كالنقش علي الحجر .

ج – المرحلة الثالثة :
وبعد سن البلوغ أو نحو الرابعة عشرة من عمر الغلام أو الفتاة تبدأ مرحلة المصاحبة ، ولعل المقصود بها أحد أمرين أو كلاهما معا :
الأول : المصاحبة بمعنى التلازم وعدم الإغفال أو الترك؛ لأن الصبي أو الفتاة قد دخلا في سن المراهقة الخطير؛ فلا بد له من عين تحرسه، وموجه يوجهه دائما إلى الصواب، ويحذره من المخاطر .
الثاني: بمعنى الصداقة والألفة والصراحة، وعدم التكتم للمشاكل والهروب منها في محاولة لحلها متى ما وجدت .
وكلا الأمرين من قيام الصداقة بين الوالدين والولد، أو التلازم وعدم الإغفال، كلا الأمرين مطلوب بإلحاح .

- الشاب تخطى مرحلة التربية :
قد لا يدرك الكثيرون أنه لا يوجد شيء اسمه تربية الشباب؛ لأن الشاب قد وصل إلى ما يقارب مرحلة النضوج الجسدي ،وظن أنه بلغ الكمال في كل شيء .
وقد يحاول الوالدان سلوك طرائق التهذيب للأبناء بعد ولوج مرحلة الشباب ، ومن المتوقع أن تبوء هذه المحاولات بالفشل الذريع؛ لأن أوان التربية قد فات .
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه :
" حرض بنيك على الآداب في الصغر كيما تقر بهم عيناك في الكبر"
وإنما مثل الآداب تجمعها في عنفوان الصبا كالنقش على الحجر.
فالشاب لا يربى ولا يؤدب ولكن يوجه برفق وحكمة .

- منهج التربية في بلاد الغربة :

لا يختلف المنهج الإسلامي في تربية النشء من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان ، ولكن تتغير الوسائل والأساليب التربوية تبعاً لاختلاف البيئات الثقافية والاجتماعية ، فتربية الأطفال منهجها واحد .. بيد أنه في أرض الاغتراب يتم التركيز على نقاط هامة لها أثرها الإصلاحي سلبا وإيجابا بعد ذلك طول الحياة ، وأهم ما نركز عليه هو الآتي :

أولا : ربط البراعم الدائم بالمسجد
على الوالد المسلم في بلاد الغربة أن يربط أولاده بالمسجد، ويعمق هذا المعنى دائماً في نفوسهم، ويحرص على أن يكون قدوة لهم في ذلك .
وعلى الوالد أيضا أن يلقي في روع الصبي والفتاة أن المسجد أطهر وأهم مكان في هذه الأرض ، وأنه بمقدار ما يرتبط ببيوت الله تفيض على حياته معاني البركة والسكينة والإيمان .. إضافة إلى أن المسجد بالنسبة لكل مسلم وفي أي مكان يعد جامعة واسعة الأطراف للحياة كلها، يتلقى فيها المسلمون علوم الخير والهدى والرشاد في الدنيا والآخرة .
إن الوضع الديني المخدر في نفوس أهل الأديان المغايرة للإسلام في بلاد الغربة دائماً يلقي بظلاله وأثره على الصغار ، ومن وراء ذلك فقد يظن ناشئ الإسلام في هذه البلاد أن تقديس المساجد، ومعرفة آدابها أمر غير ذي بال؛ وذلك ناتج من إهمال الرعاة لهذا الصغير، أقصد الوالدين أو ولي أمر هذا الصغير، حيث يكون التقصير عن تعريفه بالمساجد واجتذابه إليها منذ الصغر، فينشأ من أول وهلة مرتبطاً ببيوت الله .

ثانيا : متابعة السؤال عن الفرائض الدينية
من أهم مسئوليات راعي البيت ورب الأسرة أن يسأل رعيته عن أداء واجباتهم، كما أن عليه أن يتعرف على مطالبهم .. تماماً كما يفعل المسئول مع مرؤسيه في أي عمل، فيحاسبهم على التقصير، ويكافئهم عند الإجادة .
وباختصار .. فإن المطوب من هذا الذي ولاه الله عز وجل راعيا على أسرته أن يقودهم إلى تطبيق شرع الله تعالى على نفسه وعلى رعيته ، فيسأل ولده : هل أديت الصلاة ؟ .. هل أتممت صيام اليوم من رمضان ؟ سؤال عن الصلاة ، وآخر عن الصيام، وثالث عن صلة الرحم، وهكذا ...
على كل والد في أرض الاغتراب من المسلمين أن يعيد حساباته فيما يتعلق بتربية الأولاد تجاه الفرائض الدينية التي أمرنا بها الإسلام، وأن يديم السؤال على أولاده بلا ملل ولا ضجر ، وأن يكون سؤاله بلا تعنت ولا إرهاق ، وعليه كذلك أن لا يبدي أية تساهل وعدم التضايق من أولاده عند التقصير، وعليه أن يسلك من الطريق أوسطها بالحكمة والتي هي أحسن .
أما إذا أغفل الوالدان هذه المتابعة؛ فإن الولد سينشأ خاملا من مواهب الخير، متفاعلا مع كوامن الشر التي تتراقص حوله على كل سبيل .
ويزداد الخطر وتعظم البلوى حينما يكون الوالدان أو أحدهما قدوةً سيئة لأولاده في الصد عن سبيل الله ، وإذ بالولد أو الفتاة يشاهدان الوالدين أو أحدهما خاوي الوفاض من التدين، ومنقطع الصلة بالله عز وجل، فلا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا تقوى، بل يجد منه جراءة وإصرار على المعاصي، وبمرور الأيام سيقيم الولد قدوته السيئة المتمثلة في أبيه وأمه كما قال القائل :
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا.. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
ويوم القيامة يعرض الوالد المقصر نفسه لعقوبة الله؛ فالوالد راع والأم كذلك ، فمن صفات القائد الموفق أن يديم سؤال رعيته عن أداء واجبهم .

ثالثا : أولادكم ولغة القرآن

اللغة وسيلة البيان ، ولغة العرب هي لغة الإسلام ، وعلى هذا يجب أن تكون اللغة الأولى لكل المسلمين أينما كانوا ، وذلك لاحتياجهم الدائم المتواصل لأداء شعائر العبادة كالصلاة والحج وتلاوة القرآن وذكر الله، وغير ذلك من صور التعبد باللغة العربية .
مشكلة كبرى وعقبة كؤود في طريق الدعاة إلى الإسلام في بلاد الاغتراب تتمثل في كون المغتربين لا يتحدثون أكثرهم ولا يفهمون اللغة العربية إلا عدد قليل منهم ، ولنفرض أن عدد المسلمين في أى مسجد يؤدون صلاة الجمعة والخطيب يتحدث العربية يقدر بمائتين من المسلمين، فإن نصف هذا العدد فقط هو الذى يفهم لغة التخاطب .
والباقون جالسون لالتماس البركات دونما فهم أو تعلم .. وقد نتجت مشكلة التغريب عن لغة العرب في بلاد المهجر من جراء الاحتكاك المباشر مع اللغة الأجنبية، وإجادة التحدث بها على حساب اللغة العربية – وهذا واقع لا يسعنا إنكاره _ فعندما يذهب المسلم إلى السوق أو البنك أو المستشفى أو أي مكان فإنه من الطبيعي أن يتحدث بلغة البلد الذي يعيش فيه، ولا يمكن أن يتحدث العربية؛ لأنه لن يفهمه أحد .. من هنا ضرب النسيان ستائره على لغة العرب في بلاد الغربة ، واستسهل الوالدان اللغة الأجنبية ليس خارج البيت فقط ، وإنما داخل بيوتهم التي يفترض أنها بيوت للعرب ، ويتعلم الصغار – طوعا أو كرها – لغة أجنبية عنهم وعن ثقافتهم الدينية، وعن جذورهم التي ينتمون إليها .. وحدثت المشكلة .
ومن خلال هذه الوصايا العجلى أبث إليكم – إخوتي المسلمين في بلاد الاغتراب – همي وإشفاقي على مستقبل أولادنا في هذه البلاد .. لهذا؛ أرجو أحر الرجاء من الوالد والوالدة الذين تربيا على أرض عربية وإسلامية أن يحرصا على التحدث الدائم بين أسوار البيت باللغة العربية ، أما إذا كانت الزوجة أجنبية هي الأخرى فقد زادت المشكلة تعقيدا .
إن الطفل مقلد بفطرته ، ويقوم الوالدان بدور المؤثر الأول على وجدانه ولسانه، فإذا اهتم الوالدان باللغة العربية وأداما الحديث بها فإن الولد سينشأ على لغة العرب بيسر وسهولة ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ؟" ( البخاري 1359 بسند صحيح ).
فكما يتحدث الوالدان ؛ سيتحدث الولد ، هذه حقيقة لا ترد .
وعلى الوالدين أيضا أن يدركا أن المستقبل الإيماني لأولادهما في خطر؛ ما دامت اللغة العربية في أدراج النسيان .

- جانب هام لا ينبغي إغفاله:

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ( أيلول ) وجدت الدول الغربية فرصا من الذهب لإلصاق المزيد من تهم الإرهاب لكل مسلم على وجه الأرض ، ونتج عن ذلك تعسير إجراءات السفر والهجرة إلى كل البلدان الأوروبية والأمريكتين ، بل إن كثيرا من هذه الدول تقوم بإغلاق باب القبول للوافدين والمهاجرين الجدد من العرب والمسلمين ، وربما أن بعض الدول تقبل أعدادا نادرة بشروط دقيقة .
فما معنى ذلك ؟ وما علاقته باللغة العربية في أرض الاغتراب ؟
معنى ذلك هو تضاؤل الوجود للسان العربي الذي سيتناقص تدريجيا يوماً بعد يوم؛ لكون الناشئة الجدد من أبناء المسلمين المغتربين لا يجيدون اللغة العربية ، فهم في غربة من كل جانب وعلى كل سبيل .
إن علينا أن ندرك بأن الذين يفهمون خطيب الجمعة من المغتربين هم الذين نشأوا وعاشوا قسطا من الزمن على أرض عربية ، أما من ولدوا في أرض الغربة من المسلمين فمستقبلهم الديني يكتنفه الضباب إن لم تتداركه رحمة الله تعالى .

إذن .. السؤال الذي يفرض نفسه بلا تردد ؛ من سيحمي اللغة العربية بعد ثلاثين أو خمسين عاما أو أكثر عندما يفنى هذا الجيل الذي هاجر من بلاد العرب ؟
إن أقل فروض التعقل أن نتخيل أن الأجيال القادمة في المستقبل القريب من المسلمين في بلاد الاغتراب سيلوكون لغات الأعاجم ويشربون عليها الماء ، ومن ثم تذوب لغة العرب عند من كانوا بالأمس من أهل العرب ، ولا عزاء لأجمل اللغات .
وعندما تتلاشى اللغة العربية بين يدي المسلمين في غربتهم، فإن في هذا ضياع للدين ذاته – عياذا بالله من ذلك - .
هذه أعمق معاني المشكلة { لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } ( ق 37 ) .