مصر بسبب الغياب الأمني، ما أحدث رواجاً منقطع النظير في أوساط
المشعوذين الذين يمارسون عمليات النصب وإقناعهم بوجود أماكن تحوي آثاراً،
سواء داخل البيوت أو في المزارع أو قرب المناطق الأثرية.
وأثار الحديث مجدداً عن أعمال الحفر والتنقيب السري عن الآثار في صعيد مصر وانتشار مدارس التنقيب عن الآثار بمعرفة مغاربة وأفارقة ومصريين، وتوالت الحوادث الناتجة عن هذا الهوس، التي حدثت أخيراً... ومن بين الحوادث الشهيرة، الناتجة عن هذا الهوس، مصرع مواطن انهار عليه جدار منزله خلال قيامه بالتنقيب عن الآثار قرب معبد الكرنك في مدينة الأقصر. ومقتل 10 أشخاص خلال قيامهم بحفر بئر للتنقيب عن الآثار في قرية المناصرة بمركز نجع حمادي شمال محافظة قنا، وضبط مباحث شرطة السياحة والآثار بجنوب الصعيد لـ «17» قطعة أثرية خلال إحباطها لـ «3» محاولات للحفر والتنقيب عن الآثار بمدن الأقصر وأسوان، وغيرها من الحوادث التي باتت تتكرر كل يوم. وهكذا حصد «الهوس» بالتنقيب والإتجار في الآثار كثيراً من أرواح المصريين خلال عمليات الحفر والتنقيب، راحوا ضحايا لمحاولات فك ما يسمى بـ «الرصد الفرعوني» عبر تقديم قرابين ودماء بشرية له، مثلما حدث في مدينة أرمنت جنوب الأقصر، حين راح شاب ضحية لمثل هذه الأعمال التي يسعى القائمون بها للوصول إلى الكنوز الفرعونية، وهناك حادثة اختطاف الطفل محمود محمد عباس لتقديمه قرباناً للكشف عن كنز فرعوني بقرية العشي شمال الأقصر، ونجاته من موت محقق بعد إنزاله بالحبال داخل بئر قرباناً لما يسمى بالرصد «حارس الكنز» الذي يعتقد المشعوذون في قيامه بحراسة أحد الكنوز الأثرية، حيث ينشط المشعوذون في القرى والنجوع المتاخمة للمناطق الأثرية بحثاً عن الآثار والذين يطلبون أحياناً قرابين آدمية للرصد، ويبثون في تلك الأوساط أنه جنّي يرفض اقتراب أحد من كنزه الذي يحرسه ربما منذ أكثر ثلاثة آلاف عام، وهي أقصى عمر للرصد، كما تشيع الحكايات الشعبية. هوس حصد أرواح ضحايا أوهام استخراج الكنوز الأثرية في مصر ظاهرة تتكرر كثيراً، ما إن تختفي حتى تعود لتطل برأسها من جديد... وبحسب تقديرات مراقبين، فقد حصدت تلك الظاهرة المثيرة للجدل أرواح عشرات المصريين خلال عمليات التنقيب غير المشروعة عن الآثار في السنوات الماضية. وينفق المصريون الباحثون عن الثراء السريع واللاهثون وراء أوهام العرافين والدجالين مئات الآلاف من الجنيهات أملاً في العثور على قصور من رمال لا توجد إلا في خيالهم وخيال من يستغلون هوسهم بالكنوز وكل ما هو فرعوني. ويستعين المصريون الباحثون عن الكنوز بالمشعوذين السودانيين والمغاربة والمصريين أيضاً، ويتفنن هؤلاء في ابتزاز ضحاياهم الذين يعتقدون في وجود كنوز أثرية أسفل مساكنهم فيطلبون منهم مبالغ طائلة مقابل إتمام عملية الرصد أو الحارس المسحور واستخراج الكنز المزعوم. الرصد والموروثات و«الرصد الفرعوني»ـ بحسب المعتقدات والموروثات الشعبية المصرية، وبحسب دراسة لمركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، هو «جانّ» يتم الإتيان به عن طريق السحر ليشرب من دم طير أو حيوان ويتشكل بعد ذلك على صورته، ويعيش الرصد أو هذا الجني ما بين ألف إلى 3 آلاف عام، أما الأثريون وعلماء المصريات فينفون تماماً وجود ما يسمى بالرصد أو حتى لعنة الفراعنة، وعادة التنقيب عن الكنوز في القرى المصرية بالصعيد، عادة قديمة تشتد مع الفقر والعوز في الأوساط غير المتعلمة. وكلمة «رصد» هي مفرد «أرصاد»، ومعروفة منذ عهد الفراعنة، وتوجد رموز لها في الكتابات المصرية القديمة، وقد كتب عنها أيضا كبار علماء الفلك، وقد اعتقد قدماء المصريين بوجود الأرصاد «حراس الجن»، ولذلك كانوا يدفنون الذهب في المقابر بجانب الجثث لأن سلطة الرصد لا تمتد للمقابر، وبالتالي أمكن الكشف بسهولة عن الآثار المصرية القديمة، ومنها مقبرة توت عنخ آمون الشهيرة بذهبها، والتي اكتشفها عالم الآثار «كارتر» العام 1922. والرصد أو «حارس الجن» ـ بحسب الدراسة - يسعى دائماً وراء الذهب وهو معدن مرتبط بالشمس، بينما الفضة مرتبطة بالقمر، في حين أن كوكب المريخ يرتبط بمعدن الحديد. ويرى الفلكي المصري العالمي الدكتور سيد علي، أن الإنسان لو دفن على سبيل المثال خاتماً من الذهب في الأرض، فلن يجده في المكان نفسه بعد مرور 24 ساعة، لأن الجن سيكون قد رصده وزحزحه من مكانه، وكلما ظل الخاتم مدفوناً مدة أكثر من الزمن تزحزح أكثر عن مكانه. حكايات صعيدية وكنوز الفراعين وتنتشر الحكايات في الصعيد حول كنوز الفراعنة التي يحرسها الجان... ويحكي الراوي «أحمد الراوي» عن العِجل الضخم الذي يحرس كنزاً خلف تمثاليّ ممنون الشهيرين غرب الأقصر، والذي يظهر في الليالي المقمرة، وأن كثيرين حاولوا قتله أملاً في الفوز بالكنز طوال العقود الماضية دون جدوى. وهناك أيضاً حكاية شهيرة عن مقبرة الملك أمنحتب الأول، التي تؤكد بعض البرديات الفرعونية وجودها على بعد أمتار من الشرفة الثالثة بمعبد الملكة حتشبسوت وللعام الخامس على التوالي، وكلما توصلت البعثة البولندية التي تبحث عن المقبرة إلى مدخل المقبرة ورؤية شواهد للسلم المؤدي إليها يختفي كل ذلك ويصبح مجرد كتل صخرية... والتفسير المنتشر في أوساط العامة للواقعة هو وجود حارس عليها يحميها ويخفيها عن الأنظار. وقد عرفت المقابر الفرعونية ما يسمى بنصوص اللعنة، حيث يوجد في بعض المقابر نص يقول... (كل من يقترب من مقبرتي بسوء سوف تلدغه العقارب والثعابين وسيلتهمه الحيوان «عاميت»)، وهو حيوان غريب خرافي الشكل مكوّن من رأس تمساح وجسد فرس نهر وأرجل أسد. كما أن كل الكلمات المكتوبة على الآثار الفرعونية بما فيها الهرم الأكبر ووادي الملوك والملكات في الأقصر وحوائط المعابد، عبارة عن طلاسم سحرية، حتى أن هناك اعتقاداً بأن الجن ساعد الفراعنة في بناء الأهرامات، فالأحجار موضوعة بطريقة هندسية لا يمكن أن يصل إليها الإنسان في تلك العصور القديمة، إلا أن الفلكي سيد علي لا يرى أصلاً من الحقيقة لفك الرصد بالقرابين الآدمية، ويؤكد أن «المشعوذين هم الذين ينشرون هذه الخرافات ويصدقهم بعض العامة بسبب الجهل، فلا حقيقة لما يشاع عن أن الرصد يتم صرفه من المكان بتقديم ذبيحة آدمية كقربان له». والحديث عن الرصد الفرعوني ومحاولات فكه للحصول على كنوز قدماء المصريين لا يخلو من طرافة، فمن بين ما يطلبه هؤلاء المشعوذون نوع بخور نادر لا يوجد إلا في تونس وبلاد المغرب العربي ويعرف باسم «الطقش المغربي»، ويتراوح سعر الغرام الواحد منه ما بين 15 إلى 20 ألف جنيه. مدارس في البحث عن الكنوز يقول بعض المنقبين عن الآثار في صعيد مصر إن هناك ثلاث مدارس تعمل في مجال الكشف عن الكنوز الأثرية بصعيد مصر هي: المصرية والمغربية والأفريقية، وأن أقوى تلك المدارس هي المدرسة المصرية تليها المدرسة الأفريقية ثم المدرسة المغربية في المرتبة الثالثة بعد أن كانت تحتل المركز الأول طوال سنوات مضت. وأن المدرسة المغربية يعتمد شيوخها على الروحانيات، بينما يعتمد شيوخ المدرسة المصرية على الخبرة بجغرافية المكان والمعلومات التاريخية بجانب الروحانيات. فيما يعتمد شيوخ المدرسة الأفريقية على السحر الأسود. ويضيف المنقبون: إن شيوخ المدارس الثلاث يستعينون بخدام من الجان والعالم السفلي، وأن الخدام نوعان: نوع علوي ويكون على طهارة، ونوع سفلي ويكون على نجاسة. ولكل نوع من الخدام طريقته في العمل، ولكل منهم طريقة يسخر بها للعمل من قبل الشيخ، وأن الخادم الذي يكون على نجاسة يكون أكثر خطورة على من يعملون في الحفر والتنقيب. كما أنه يطلب أشياء محرمة وصعبة من شيخه مقابل أن يرشد عن مكان الكنز، على عكس الخادم الذي يكون على طهارة، فمنذ سنوات ذبح طفل غرب الأقصر وخطف آخر شرق المدينة لذبحه وتقديم دمه قرباناً لفك رصد فرعوني يحرس كنزاً نتيجة الاستعانة بشيخ يستعين بخادم من العالم السفلي. وهناك مدارس وشيوخ يرفضون ذلك ويعتبرونه جريمة لا تغتفر. حارس الكنز ودور الخادم هو فك ما يسمى بالرصد وصرف أي حراس على الكنز. وبعض الكنوز يسخر لها الجان خدّامًا لحراستها. ويزعم أحد الشيوخ أنه يسخر الجان لمساعدته في الوصول لمكان الكنز، وإنه يحكي للجان ويتبادل معه الحوار ويجند الجان لخدمته. وأشار إلى أن بعض خدّام الجان يكذب ويضلل، والبعض يبحث ويدل على مكان الكنز بحق. وقال إن هناك شيوخاً يخدعون من يستعينون بهم في عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار، وإن أكثر الشيوخ كذباً وتضليلاً هم الأفارقة الذين يتفننون في ابتزاز الباحثين عن الكنوز، وإن من يقومون بالتنقيب هم أصحاب المال وكبار المزارعين والتجار والفقراء أيضاً. باحثون عن الثراء وقال المدير العام لمنطقة آثار الأقصر ومصر العليا الدكتور منصور بريك، إن ظاهرة الحفر والتنقيب السري عن الآثار سببها سعي الكثيرين للثراء السريع وانتشار الخرافات والأوهام عن تجارة الزئبق الأحمر والكنوز الأثرية. وهي بمثابة البحث عن سراب، مشيراً إلى أن الكنوز والذهب الذي يبحث عنه المهووسون بالثراء السريع لا يوجد إلا داخل المقابر الملكية لملوك الفراعنة، وأن عمليات التنقيب السرية تتم بقرى ملاصقة للمناطق الأثرية وليس داخل المناطق الأثرية، وأن التنقيب السري داخل المناطق الأثرية في الأقصر أمر من المستحيلات نظراً لوجود أسوار وحراسات مشددة على جميع المناطق الأثرية على مدار الأربع والعشرين ساعة. وقال إنه لم يثبت اكتشاف أي آثار ذات قيمة من قبل، مثل هؤلاء الباحثين عن وهْم الثراء، وإنه لو فرض وتمكنوا من العثور على شيء فإن القانون يجرم الإتجار في الآثار وينتظر مثل هؤلاء أحكام رادعة في حال ضبط أي قطع أثرية بحوزتهم. وأضاف المدير العام لآثار الأقصر ومصر العليا: إن ما يتم من إتجار في قطع أثرية حالياً لا حقيقة له، وإن ما يتم تداوله هي قطع حديثة برع الكثيرون في نحتها بقرى الأقصر الغنية بالفنانين الفطريين الذين يقلدون الفراعنة بمهارة. |